ياسر بركات يكتب عن: عن أزمة التحرير وتشريد المحررين أباطرة المال يقتلون أبناء المهنة.. والمجد لغلابة الصحافة!
إن التجارب الصحفية التى تسقط اليوم والتى تترك خلفها بكل أسف ضحايا، كانت تمتلك أسطولاً كبيراً من رؤؤس الأموال أتاحت لها تقديم خدمات متعددة للصحفيين العاملين بها، وصنعت فروقاً كبيرة فى الرواتب، ولكن انهيارها المتتالى سواء فى تجربة التحرير أو غيرها من صحف يومية قد تتوقف قريباً، يشير إلى مدى خطورة الموقف المهنى، فالصحف التى تتلقى تمويلات ضخمة لا تهتم بحقوق محرريها، صحيح هى تغدق عليهم برواتب كبيرة فى البداية لكن ما يحدث فى النهاية يكون مأساة حقيقية..
«قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».. «آل عمران: 26».
إن هذه الآية الكريمة تلخص حال مهنة الصحافة فى الفترة الأخيرة، فرغم تلك الأموال الضخمة التى تم ضخها فى صحف وفضائيات من رجال أعمال وأباطرة بيزنس فإن الحال أصبح أسوأ على مئات من أبناء المهنة الذين يتم تسريحهم وتشريدهم، وأصبحنا فى الفترة التى أعقبت الثورة نفاجأ بمؤسسات صحفية يتم الإعلان عنها فجأة ويتم تأسيس المقرات الضخمة والمكاتب الفاخرة والرواتب الكبيرة وسرعان ما تسقط تلك الإمبراطورية التى كانوا يتفاخرون بها!! ومع هذا السقوط وبكل أسف نجد مئات الأبناء والشباب الطموح تتحطم أحلامهم ويفقدون الثقة فى المهنة والعاملين بها.
دخل رجال الأعمال فى صراع على الاستحواذ على الصحف والمواقع الإلكترونية ولاشك أن ذلك يفتح الطريق أمام عشرات من شباب الصحفيين، ومع الإغراءات التى يقدمها رجال الأعمال للصحفيين الشباب فإن المئات يسارعون إلى العمل فى تلك الصحف، لكن وبكل أسف فإن الصحف المملوكة لرجال الأعمال تتحول فى معظم الأحوال إلى ملكية خاصة (عزبة) يتحكم فى فتح أبوابها وإغلاقها أصحاب الملك وليس الصحفيين أو أبناء المهنة!
إن ما يحدث للزملاء فى صحيفة التحرير وغيرها من صحف كانت تمتلك كل مقومات الاستمرار يحعلنا هنا فى «الموجز» نزداد فخراً بأنفسنا، ليس شماتة فى أحد بل على العكس فإننا نتعاطف تماماً مع الزملاء حتى إن كان بعضهم قد تعمد إيذاءنا والتقليل من حجمنا!!.. أثبتت الأيام والأحداث أن المهنة ليست برؤؤس الأموال وليست بالإغراءات الشكلية سواء من مقرات أو مكاتب فخمة وأجهزة تكييف وطباعة ونشر، ولكن المهنة تأتى لهؤلاء الذين لا يحلمون سوى بقارئ محترم تصل إليه رسالة المهنة العظيمة بعيداً عن المهرجانات الكاذبة وبرامج التوك الشو الفارغة.
إن التجارب الصحفية التى تسقط اليوم والتى تترك خلفها بكل أسف ضحايا، كانت تمتلك أسطولاً كبيراً من رؤؤس الأموال أتاحت لها تقديم خدمات متعددة للصحفيين العاملين بها، وصنعت فروقاً كبيرة فى الرواتب، ولكن انهيارها المتتالى سواء فى تجربة التحرير أو غيرها من صحف يومية قد تتوقف قريباً، يشير إلى مدى خطورة الموقف المهنى، فالصحف التى تتلقى تمويلات ضخمة لا تهتم بحقوق محرريها، صحيح هى تغدق عليهم برواتب كبيرة فى البداية لكن ما يحدث فى النهاية يكون مأساة حقيقية، وما يهمنى قوله فى هذا السياق إننى فخور بتجربتى مع أبنائى فى «الموجز»، فخور بهم وهم يؤكدون فى كل يوم أن الإيمان بالمهنة فقط والرهان على القارئ هو أساس النجاح، وغير ذلك إلى زوال.
فنحن فى «الموجز» لا نملك من حطام الدنيا سوى تشجيع القارئ الكريم ووقوفه بجانبنا، وكل قرش تدفعونه فى صحيفتنا هو وقود معركتنا وليس هناك أعظم منه ولا أشرف منه، لا نبحث عن مليارات الحيتان ولا نبيع ضمائرنا، لسنا سوى شباب نحلم جميعا بمستقبل أفضل، لسنا عصابة ولا مافيا، بل مجموعة من شباب مصر وقعنا فى غرام مهنة الصحافة وأصبحت هى أساس حياتنا ومصدر رزقنا، كنا نواصل الليل بالنهار بحثا عن الحقيقة فليس أمامنا سوى ضمير القارئ ولا نعتمد على موارد أو ميزانيات سوى جهودنا وما نقدمه من مواد صحفية ترضى القارئ صاحب الضمير، فـ«الموجز» صحيفة حرة بمعنى الكلمة لا سلطان عليها سوى الضمير المهنى وليس لأحد من رجال الأعمال أو أصحاب النفوذ والجاه والسلطان أى سلطة علينا، وقفنا جميعا فى تلك الصحيفة بجوار بعضنا بعضا لم نبحث عن الشهرة الزائفة ولم نضلل القارئ، وكان هذا الاختيار فى غاية الصعوبة خصوصا وسط عشرات الصحف التى تتلقى تمويلات بالملايين من رجال أعمال وأعضاء فى الحزب الوطنى السابق بل وهناك تمويلات خارجية بالمليارات، ولكن لم نراهن أنا وزملائى وأبنائى فى «الموجز» إلا على ضمير القارئ فالنسخة التى يشتريها القارئ هى رأس مالنا الوحيد، فلم ننشغل بالنصابين و«الحرامية» الذين يبيعون الوهم للناس ويرتدون ثياب الشرف فى حين أن أموالهم الضخمة التى يتقاضونها هى من دماء هذا الشعب، ولم تعد تلك القضية فى حاجة إلى توضيح فالصحف التى تتلقى تمويلاتها من رجال الأعمال ومن مليارديرات مصر ومن أصدقاء الرئيس المخلوع ومن رجال جمال مبارك والصحف التى تتلقى تمويلاتها من دول عربية وأجنبية معروفة للجميع، وكل هؤلاء يمتلكون أموالاً ضخمة تجعلهم فى غنى عن الاهتمام بالقارئ أو بالضمير المهنى.
عاش أبناء «الموجز» تلك التجربة الطويلة معتمدين على أنفسهم وعلى نبوغهم المهنى؛ فلم ينخرطوا فى «الشلل» الإعلامية الفاسدة ولم يتاجروا بأوجاع الوطن، لكنهم كانوا جنودا يقومون بمهمتهم ويعودون إلى قواعدهم ليبدأوا معركة جديدة، لم نداهن ولم نركع وكنا دائماً فى المقدمة، والتاريخ خير شاهد على من واجه الجماعة الإرهابية وهدد عرشها من أول لحظة ومن سعى لعقد الصفقات معهم، فمنذ اللحظة الأولى كانت «الموجز» تسبق الجميع وتبشر بدولة قطر اللعينة، فعقب الليلة الشهيرة التى خرج فيها محمد مرسى ليعلن النتيجة الإجبارية فى الشارع مع جماعته كان مانشيت «الموجز» «مرسى رئيسا.. مبروك لدولة قطر..» وتوالت مانشيتات «الموجز» لتكسر حاجز الخوف وتتصدر قائمة الصحف التى تعارض مرسى وجماعته وخصصت الصحف الأجنبية أكثر من تقرير حول موقف الصحيفة التى تواجه جبروت دولة خيرت الشاطر فى حين كان رؤساء تحرير بعض الصحف يركعون تحت قدمى محمد مرسى ويعقدون الصفقات ويهللون للدولة الاسلامية، ويطالبون الشارع بالهدوء وإعطاء الفرصة لجماعة الإخوان، ولكن «الموجز» لم تفكر سوى فى مصلحة هذا الوطن وحمل المحررون أكفانهم على أكتافهم وتحولت الصحيفة بجميع أقسامها إلى كتيبة عمل متواصل تسعى لكشف دولة الإخوان وتعرية مخططاتهم لأخونة مصر والسيطرة على مؤسسات الدولة ومفاصلها، لم تتوقف «الموجز» يوماً ولم تداهن أو تنافق هذا الحكم الفاشستى، وفى سبيل تلك المواقف دفعنا الثمن غالياً وأصدرت الرئاسة أوامرها لجميع الوزارات والهيئات بوقف التعامل مع «الموجز» وحاولت دولة خيرت الشاطر تجفيف الأرض تحت أقدامنا لكننا صمدنا وأعلنا موقفنا ملايين المرات، فما كان من جماعات العنف والإرهاب إلا استخدام الوسائل الرخيصة فى تهديد المحررين ورصد تحركاتى بشكل شخصى، وتوالت على الصحيفة الاتصالات المجهولة التى كان الغرض منها تهديد «الموجز» ومحرريها، وتعرض الموقع الإلكترونى لحملات من الهاكرز الإخوانى لتدميره لكن كل ذلك لم يؤثر على «الموجز» التى خرجت بمانشيت «إنه طغى» الذى تحول إلى تقارير فى الصحف الأجنبية ووصفته التايم الأمريكية بالعنوان القاتل الذى يستخدم لغة القرآن لهدم المتاجرين بالقرآن.
والحمد لله رب السموات والارض الذى وهبنا نعمة الصبر على المصائب مهما كانت كبيرة، الحمد لله الذى رزقنى بأصدقاء وزملاء فى الصحيفة يمتلكون الضمير الحى ولا يبحثون عن ثروات أو مجد زائف، الحمد لله الذى جعل «الموجز» عامرة بقلوب شباب يسعى إلى الحق والخير ويواصل العمل ليل نهار بحثاً عن لقمة العيش الحلال وليس عن شىء آخر.