الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 11:15 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: «لى كوان يو».. الرجل المعجزة الذى يزور الرئيس فى أحلامه


آسيا الآن، بالنسبة لمصر، ميدان رحب للتواصل الحضارى والثقافى، وبيننا وبين غالبية الدول الآسيوية رصيد ثقافى واتفاقات ثقافية.. وبيننا علاقات تاريخية وثيقة قامت فى الماضى، على أساس وحدة أو تقارب المواقف فى القضايا الدولية الكبرى. وفى صدارة الأولويات، توجد قضية التنمية التى تحتل صدارة أولويات السياسات الوطنية فى مصر والدول الآسيوية داخلياً وخارجياً.
لذلك، كان طبيعياً ومنطقياً أن تدخل مصر وشركاؤها الآسيويون فى علاقات جديدة، تمثلت فى التعاون الاقتصادى على أساس المنفعة المتبادلة.
من هنا، تكتسب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لدول شرق آسيا أهمية خاصة فى تقوية العلاقات وتعزيز فرص الاستثمار فى مصر.
وغير تلقيه الدعوة من نظيره الصينى لزيارة بلاده يومى 2 و3 من سبتمبر المقبل، للمشاركة فى احتفالات الصين بذكرى الانتصار فى الحرب العالمية الثانية، ستنعقد فى التوقيت نفسه قمة «مصرية–صينية» لبحث تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة عقب الزيارة الناجحة التى أجراها الرئيس السيسى إلى جمهورية الصين آخر العام الماضى، بالإضافة إلى لقائه الرئيس الصينى تشى جين بينج على هامش احتفالات روسيا بعيد النصر فى شهر مايو الماضى.
فى التوقيت نفسه أيضا، توقيت الزيارة، ستجرى متابعة تنفيذ خطة التعاون الاستراتيجى لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين فى كل المجالات التى تم الاتفاق عليها خلال زيارة السيسى الأخيرة إلى الصين، ومن المقرر أن يتم أيضا توقيع عدد من الاتفاقيات مع الجانب الصينى فى عدة مجالات بينها الكهرباء والنقل والسكك الحديدية.
على أن أهم الموضوعات التى يبحثها الرئيس، موضوع إمكانية الاستفادة الاقتصادية من انضمام مصر لمنطقة «شنغهاى» لتصبح مصر مستقبلاً عضواً كاملاً فى المنطقة فى حال تطور العلاقات بشكل مثمر، وضرورة استفادة مصر من التجربة التنموية الصينية بعد أن حقق الاقتصاد الصينى معدلات نمو عالية على الرغم من الأزمة المالية التى مر بها العالم وضرورة نقل التكنولوجيا الصينية لمصر والاستفادة من تزايد عدد السائحين الصينيين الذين يزورون مصر سنوياً.
بعد زيارته للصين، تأتى الخطوة الأهم.. خطوة زيارة سنغافورة يومى 4 و5 من سبتمبر، تلبية للدعوة الرسمية التى تلقاها من نظيره السنغافورى، وهى الأولى من نوعها لرئيس مصرى وتأتى تتويجاً للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التى ستتم سنة 2016 الستين عاماً. وكانت العقود الأربعة الماضية قد شهدت تنسيقاً جيداً بين البلدين على المستوى السياسى من خلال الأمم المتحدة بالإضافة إلى حركة عدم الانحياز، خاصة فى ضوء توجه سنغافورة نحو الشرق الأوسط من خلال مبادراتها بإقامة الحوار الآسيوى الشرق أوسطى الذى انعقد أول اجتماع له فى سنغافورة فى يونية 2005 واستضافت مصر الاجتماع الثانى له فى مارس 2008.
يوم 21 من مارس الماضى، قام علوى عبدالرحمن شهاب، المبعوث الخاص لرئيس إندونيسيا للشرق الأوسط ومنظمة التعاون الإسلامى، بزيارة مصر، والتقاه الرئيس السيسى. ونقل المبعوث الإندونيسى رسالة من رئيسه إلى السيسى، تضمنت دعوته للمشاركة فى قمة آسيا أفريقيا التى نظمتها إندونيسيا فى شهر أبريل 2015 تزامنا مع ذكرى مرور 60 عاماً على انعقاد مؤتمر باندونج عام 1955.
وأعرب «شهاب» عن تطلع بلاده لزيارة السيسى بشكل رسمى إلى إندونيسيا فى ضوء اهتمامها بتفعيل العلاقات التاريخية المتميزة التى تجمعها بمصر فى كل المجالات، مشيداً بدور مصر الرائد فى المنطقة وكذا فى العالم الإسلامى مثنياً على دور الأزهر الشريف فى نشر علوم الدين الإسلامى وما أسهم به فى إعداد وتثقيف العلماء الإندونيسيين.
منذ توليه الحكم، بدا واضحاً أن الرئيس عبدالفتاح السيسى حريص على التواصل مع الدول الآسيوية التى تتميز بعلاقات تاريخية مع مصر، وصياغة علاقات حقيقية مع كل التجارب الرائدة فى مجالات التطور الاقتصادى والتنمية المستدامة، وتلك التى أحدثت نقلة اقتصادية كبيرة لشعوبها على مدى السنوات الماضية. وعلى رأس تلك التجارب، تأتى تجربة سنغافورة، وهى التجربة التى دفعتنا لوصف زيارة السيسى لها بأنها «الأهم».
***************
سنغافورة.. والرجل المعجزة
عندما يأتى اسم سنغافورة يأتى اسم «لى كوان يو» ذلك الرجل المعجزة الذى يتمنى كل الرؤساء الوطنيين أن يحققوا لبلادهم جزءاً مما حققه لسنغافورة، وأظن كل الظن أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد راوده الحلم بتحقيق معجزات «لى كوان يو».
وفى الخامس من أغسطس الحالى، استقبل الرئيس، بحضور سفير دولة سنغافورة بالقاهرة، زين العابدين رشاد المبعوث السنغافورى الخاص للشرق الأوسط ووزير الدولة السابق للشئون الخارجية.
المبعوث السنغافورى، سلّم الرئيس دعوة رسمية من الرئيس السنغافورى لزيارة بلاده، متضمنة الترحيب والتطلع لإتمامها مع الإشارة إلى علاقات الصداقة التى تجمع بين البلدين والتنويه إلى أن تلك الزيارة ستكون الأولى من نوعها لرئيس مصرى إلى سنغافورة كما أنها ستأتى تتويجاً للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتى سيتم الاحتفال بمرور ستين عاماً على إنشائها فى عام 2016.
ولم ينس المبعوث السنغافورى أن يشير إلى أن بلاده تعتز بعلاقاتها مع مصر التى كانت أولى الدول العربية التى تعترف بسنغافورة عقب استقلالها.
وأشاد المبعوث السنغافورى بإنجاز مشروع قناة السويس الجديد فى عام واحد فقط بدلاً من ثلاث سنوات، مثنياً على دور القيادة السياسية المصرية فى إنجاز المشروع ونجاحها فى التفاف الشعب المصرى حول مشروع وطنى عملاق.
أما الرئيس المصرى، فرد التحية بمثلها أو بخير منها.. أشاد بالعلاقات الثنائية الممتدة بين البلدين، وأكد أن مصر تنظر بإعجاب وتقدير لتجربة سنغافورة وتقدمها على المستويين الاقتصادى والتكنولوجى. وأثنى على الموقف السنغافورى الداعم للإرادة الحرة للشعب المصرى وكذا بالتنسيق والتعاون القائم بين البلدين فى المحافل الدولية وفى مقدمتها الأمم المتحدة.
ومما عرفناه عن نتائج زيارة المبعوث السنغافورى، هو توافق الجانبين على أهمية التعاون فى عدد من المجالات أهمها إدارة الموانى وتحلية المياه وبناء القدرات وتدريب الكوادر وتدشين البرامج الخاصة بالصناعات الصغيرة والمتوسطة والتدريب المهنى والتعليم.
وهناك أيضاً معلومات تؤكد أن الرئيس السيسى يريد أيضاً الاستفادة من التجربة الرائعة لسنغافورة فى مجال التعليم.
ربما لا يعرف كثيرون أن سنغافورة واحدة من الدول التى تحصل بشكل دائم على مرتبة متقدمة كواحدة من الدول الأكثر إبداعًا وابتكارًا، وهناك العديد من المؤسسات المالية العالمية تعتبرها أسهل مكان فى العالم يمكن الاستثمار فيه.
وعلى مدار تاريخها الذى لا يزيد على 50 عامًا، اكتسبت سنغافورة سمعة جيدة فى عالم المال والأعمال.
والحقيقة هى أنه لا يوجد مكون سرى واحد للنجاح، غير أن أبرز ما يميز تجربة سنغافورة المتميزة هو ترحيبها بأى محاولة من أى شخص لإقامة أعمال واستثمارات، وهو ما جعلها تذلل العديد من الصعوبات أمام جميع الشركات الأجنبية التى تريد تحويل أو إنشاء أعمال جديدة على أراضيها، واعتبار مجلسها التنموى الاقتصادى محطة أساسية لجذب رؤوس الأموال والمواهب فى كافة المجالات، الأمر الذى ساهم فى خلق مناخ جديد أمام مجال ريادة الأعمال والاستثمار حتى إنه تم إطلاق اسم «سيلكون فالى جنوب شرق آسيا» على سنغافورة.
وساهم التزام سنغافورة الجاد تجاه العلم والتعليم فى توافد العديد من المواهب حول العالم والشركات متعددة الجنسيات إليها والتى تتطلع للتوسع حتى الوصول للصين، كما أصحبت سنغافورة مدينة جاذبة للعديد من الجامعات الكبرى حول العالم لإقامة فروع منفصلة لها فى مدينة سنغافورة.
وعلى مدار 50 عامًا ومنذ أن أصبحت سنغافورة دولة مستقلة وهى تتطور بشكل دائم فى مسار الابتكار، وكانت سنغافورة محورًا مهمًّا للصناعات ذات رؤوس المال المنخفضة فى منتصف الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، ومع تطورها واجتذابها لرؤوس الأموال أصبحت سنغافورة لاحقًا مركزًا لأهم الصناعات حول العالم، وهو ما جعل العديد من الشركات العالمية تنظر لسنغافورة على أنها شريك على المدى الطويل وليس وسيلة مؤقتة لكسب الأموال فى أسرع وقت مثل الشراكة التى حدثت بين شركة «أى.بى.إم» والجامعة الوطنية بسنغافورة والتى تركزت حول جمع وتحليل البيانات.
ومؤخراً، قامت سنغافورة بتطوير وإصلاح هائل لجزيرة «جورونج» والتى أصبحت الآن مُجمعاً متكاملاً يضم أهم 95 شركة حول العالم تعمل فى مجال الطاقة والكيماويات.
*****************
صناعة المجد
صانع معجزة سنغافورة هو «لى كوان يو» الذى قام بإنجازات وضعت سنغافورة بجدارة على خريطة العالم. وبفضله، أصبحت سنغافورة نموذجًا مثاليًّا للتنمية، يحتذى به، ولكن رجال السلطة استخلصوا الدروس الخاطئة من نجاحه ومن مشواره السياسى الذى بدأ قبل «الاستقلال» عن بريطانيا سنة 1959، واستمر وهو يرأس أول جكومة بعد الاستقلال وحتى سنة 1990؛ أى ما يقارب ثلاثة عقود متتالية، ثم تقاعد تاركًا مجلس الوزراء سنة 2001، وليظل عضوًا فى البرلمان حتى وفاته فى 23 من مارس الماضى عن 91 عاماً!
خلال رئاسته للحكومة، أصبحت سنغافورة واحدة من أغنى دول العالم، رغم افتقارها الشديد (أو شبه انعدام) مواردها الطبيعية، وكان الاستقرار السياسى والنظام الاجتماعى جزءًا مهمًا فى ازدهار سنغافورة، مع سياسات اجتماعية شديد الصرامة، جعلت الاضطرابات وكل أشكال الاحتجاج، شبه منعدمة.
وهكذا، تمكنت الدولة ذات المساحة المحدودة (حوالى 600 كيلو متر مربع) أن تتقدم على الكيانات الأكبر حجمًا والأكثر سكانًا. بإدارتها لعلاقاتها الخارجية بما يحقق مصالحها القومية ولا يصطدم بالكيانات الأخرى. ولذلك اتسمت بمكانة مرموقة سواء على مستوى القارة الآسيوية أو على مستوى العالم كله، رغم الظروف والأحداث المضطربة التى شهدتها بعد فصلها عن ماليزيا سنة 1965.
باختصار، نجح «لى كوان يو» فى صناعة دولة «اللاشىء» إلى واحدة من أهم الدول الصناعية.
زيارات الرئيس المرتقبة، وما سبقتها وما سيتبعها، تؤكد أن لدى الرئيس خطة تنموية واستثمارية وإصرار على إعادة المظهر اللائق بمصر خارجيًا، مع تطوير العلاقات الدولية والانفتاح الدولى بشكل كبير دون الاكتراث بأثر ذلك على العلاقات بالولايات المتحدة!