الموجز
السبت 9 نوفمبر 2024 12:42 صـ 7 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: خيانة على الحدود

قوات حفظ السلام شاركت فى الحرب ضد مصر.. وطعنت جنـــودنا فى ظهورهم!!
ماذا تفعل قوات حفظ السلام على الحدود؟!.. وهل كانت على الحياد فى الأحداث الملتهبة التى شهدتها سيناء؟!.. من يتولى تمويل تلك القوات؟!.. وكيف تم تشكيلها ومن وراء تكثيف وجودها؟!.. وهل تعرض جنودنا لخيانة من تلك القوات؟!
قبل الدخول إلى هذا الملف الشائك علينا فى البداية أن نقرأ الخريطة التى سبقت أحداث سيناء والاعتداء على الكمائن، فالمدخل إلى الأحداث يكشف أن مصر تتعرض لمؤامرات متعددة من أطراف مختلفة وأصحاب مصالح وأجهزة مخابرات أيضاً!!، عندما أرسل «فريدريك ريمينجتون» برقية من كوبا إلى ناشره سنة 1897 تقول: «لن تكون هناك حرب»، ردّ عليه قطب الإعلام ويليام راندولف هيرست ببرقية جاء فيها: «أنت تجهّز الصور وأنا سأجهّز الحرب».
وفعلاً، بدأت الحرب بنجاح من أجل أول مغامرة إمبريالية كبيرة للولايات المتحدة، ونقصد الحرب الإسبانية- الأمريكية سنة 1898، وفيها نجحت حكومة الولايات المتحدة فى انتزاع أملاك إسبانيا ما وراء البحار لتبدأ إمبراطوريتها المتوسعة، مستولية على كوبا وبورتوريكو والفيليبين.
وقبل أيام.. أرادوا أن يلعبوا معنا نفس اللعبة.
وكان المطلوب من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الدولية والمحلية، أن تقوم بتجهيز الصور، بينما تقود الولايات المتحدة مخطط تجهيز الحرب!
الحادث الآن، هو أن إرهابيى تنظيم «داعش» يسيطرون على أراضٍ فى العراق وسوريا تقترب مساحتها من مساحة بريطانيا وفى الوقت نفسه تجرى محاربة هذا التنظيم الإرهابى نصف محاربة إذ ينجز التنظيم بشكل جيد المهام التى يوكلها إليه مؤسسوه.
صار «داعش» مشكلة عالمية سنة 2014 حين شنّ هجوماً واسعاً على العراق وشمال سوريا ولا يكفى التعصب الدينى وحده لإنشاء هيكل عسكرى بالقوة التى صار عليها «داعش»، وإذا صدّقنا بيانات وسائل الإعلام مثل الجارديان ورويترز فقد شاركت المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية فى إنشاء هذه الجماعة.. لكن، وبما أنها تشكلت أصلاً على أساس فصائل تنظيم القاعدة فمن الممكن أيضاً افتراض انخراط دول عربية فى تلك العملية.
بدأ تشكيل تنظيم «داعش» سنة 2006 فى العراق وفى السنة نفسها قررت الولايات المتحدة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وظهرت فكرة «الشرق الأوسط الجديد» التى وضعها رالف بيترز وهى الخريطة التى نشرتها مجلة القوات المسلحة الأمريكية، تحتها تحليل عنوانه «الحدود الدامية»، يظهر فيها العراق مقسماً إلى مناطق سنيّة وشيعيّة والسعودية مقسّمة هى الأخرى وتحدّد «كردستان الحرة».
بعد نشر تلك الخريطة قالت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها كونداليزا رايس: «إن ذلك التصور يروق لواشنطن».
ولتنفيذ خطة بمثل هذه الضخامة كان لا بد من توفير أدوات قادرة على «تحريك» الشرق الأوسط وهو ما يوصف بـ«الربيع العربى» وأى مخطط إرهابى كما نعرف يتم وضعه للدفاع عن مصالح مصمّميه لكن المعروف أيضا أن تلك المخططات تقريباً تنهار وغالباً ما توجه الأسلحة ضد أسيادها، خاصة بعد أن عرفنا أن «داعش» يستعد الآن لمهاجمة شبه الجزيرة العربية!
أكاذيب داعش.. وأخطاء الإعلام الخاص فى مصر
والمخطط الخاص بمصر، كان كالتالى: إرهابيون قادمون من غزة يضربون نقاط تفتيش ومراكز أمنية ويسيطرون عليها ويرفعون عليها علم داعش، ثم يعلنون سيطرة داعش على الشيخ زويد بكاملها.. ومنها يعلن التنظيم كل فترة عن اتساع المناطق التى سيطر عليها.. ثم يبدأ التنظيم فى شن ضربات ضد إسرائيل، فيعلو صوتها مطالبة مجلس الأمن بالتدخل أو التوصل لصيغة حل. فيصدر مجلس الأمن قراراً بتدخل دولى لتطهير سيناء من داعش كما سبق أن حدث فى العراق.. وبالتالى، تصبح سيناء مرتعاً لأجهزة مخابرات العالم، وتنفصل عن مصر، قبل أن تحقق إسرائيل حلم حياتها بإقامة دولة غزه الكبرى، توفر لها حماس الأفراد والسلاح.. وتوفر لها قطر الأموال، وإسرائيل تقدم لها دعماً لوجيستياً عن أماكن تمركز القوات وأعدادها، مثلاً.. ويوفر لها الغرب آلة دعائية وإعلامية ضخمه، تنشر الشائعات والأكاذيب، وتضع المبررات لكل فعل إرهابى.. وبكل أسف انساقت محطات فضائية ومواقع إخبارية مصرية وراء الأكاذيب!!
هكذا، استيقظت شمال سيناء على دوى انفجارات غير مسبوقة، وعمليات عسكرية تحمل تغيراً نوعياً كبيراً فى الحرب المستمرة منذ شهور بين الجيش المصرى وعناصر إرهابية منظمة ومدربة.
تضاربت الأنباء حول أعداد القتلى والمصابين من الجانبين، وبدأ مزاد على أعداد الشهداء بدأ بـ50 ووصل إلى 80 غير الجرحى!!.. وأضافت وكالات الأنباء العالمية مزيداً من الأكاذيب نقلتها عنها صحف ومواقع إلكترونية مصرية.. قبل أن يظهر بيان عن القوات المسلحة ليحسم الأمر ويقول بوضوح «استشهد فى الاشتباكات 17 عسكريًا مصريًا، منهم 4 ضباط، وأصيب 13 عسكريا بينهم ضابط، بينما نجح الجيش فى قتل 100 فرد من العناصر الإرهابية وإصابة أعداد كبيرة منهم، بالإضافة إلى تدمير 20 عربة كانت تستخدمها العناصر الإرهابية».
والعملية بشكل عام كشفت عن تطور ودعم خارجى كبير للإرهابيين، الذين تحولوا من مجرد تنظيم إرهابى إلى جيش نظامى.
والإشارة هنا واجبة إلى أن استهداف الإرهابيين لشمال سيناء، يأتى بعد يومين فقط من عملية اغتيال النائب العام المصرى، وسط أجواء مشحونة ومتوترة تسود البلاد فى الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو.
الآن، تواصل القوات المسلحة تفجير عشرات العبوات الناسفة التى زرعها المسلحون وأصبحت تسيطر على الشيخ زويد، وتتحفظ على أشلاء الإرهابيين بعدما أجريت عمليات تمشيط وتفتيش للمنازل، وقد نقلت هذه الأشلاء إلى مستشفى الشيخ زويد المركزى لمعرفة أسماء القتلى، كما بادر الأهالى إلى دفن بقايا جثث أخرى انتشرت فى المدينة وأرسلوا استغاثات لدفن جثث لمسلحين ظهرت فى وقت لاحق وبدأت بالتحلل. وبشأن العتاد المحجوز، فإن بينها أسلحة مكتوباً عليها باللغة العبرية وأخرى باللغة الإنجليزية وجدت مع المسلحين، كما أن بعضهم كان قد قتل وهو يرتدى أحزمة ناسفة، إضافة إلى رصد مضادات طائرات.
وفى مقابل بيان قواتنا المسلحة، أصدر ما يوصف بتنظيم «ولاية سيناء»، بياناً حول الهجمات التى شنها، مشيراً إلى تمكن أفراد التنظيم من الهجوم المتزامن على أكثر من عشرين موقعاً عسكرياً فى سيناء، ومؤكداً فى الوقت نفسه أنه نجح فى تفجير سيارتين أمام كمينى السدرة وأبورفاعى فى الشيخ زويد. وأضاف البيان أنه جرى استهداف مطار العريش بخمسة صواريخ، مشيراً إلى أن هناك العشرات من «القتلى فى صفوف الجيش»، كما أرفق بالبيان مجموعة من الصور أظهرت هجوم عناصر التنظيم على الأكمنة والطائرات الحربية.
هذا البيان المرفق بصور يثبت «إخفاق التنظيم» فى تحقيق أهدافه، إذ إنه خلا كما جرت العادة من أى مقاطع مصورة تشبه التى كان يبثها التنظيم سابقاً.. ولا شك أن بيان الشئون المعنوية الأخير التابع للجيش دفعهم إلى الإسراع فى إصدار بيان فى محاولة منهم للتغطية على فشلهم.
الهجمات الأخيرة ترفع إجمالى الاعتداءات على الجيش فى سيناء إلى 74 حادثاً، منذ فبراير 2011 حتى الآن، وقعت فى عهد أربع إدارات مختلفة للبلاد منذ الإطاحة بمبارك.. المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى شهد عهده 7 عمليات إرهابية، أدت إلى سقوط 11 قتيلاً و30 مصاباً، ثم انخفض عدد العمليات فى عهد محمد مرسى إلى خمس عمليات، لكنها أدت إلى عدد أكبر فى القتلى مقارنة بالمجلس العسكرى، إذ وصل إلى 21 قتيلاً، إضافة إلى 9 مصابين، وحادثة اختطاف 7 من الجنود. وخلال عهد الرئيس المؤقت عدلى منصور وقع 26 حادثاً، أدت إلى 78 قتيلاً، و162 مصاباً.. ومنذ تولى عبدالفتاح السيسى الحكم وقعت 36 عملية أدت إلى 148 قتيلاً و163 مصاباً، كانت هجمات الأربعاء الماضى أبرزها.
خيانة الـMFO
أما أهم ما خرجنا به من المعركة، والأهم من فرار الإرهابيين كالجرذان وتكبيدهم خسائر لم يتوقعوها، الأهم من ذلك كله هو أن عدداً كبيراً من عناصر الجماعات الإرهابية المسلحة احتموا بالقوات الدولية العاملة فى شمال سيناء للهرب من قوات الجيش المصرى، الأمر الذى يؤكد شبهات كثيرة حول قيام القوات الدولية بتقديم الدعم للإرهابيين وإمدادهم بالوقود اللازم لسياراتهم وعلاج مصابيهم!!
ولا تصدق المبرر الواهى الذى قدمه بعض المحللين الأمريكيين الذين أشاروا إلى أن الجماعات الإرهابية تتعهد لقوات حفظ السلام بعدم تنفيذ هجمات ضدها وتحذيرها من أماكن العبوات الناسفة.
ما يهمنا الآن، هو أن معلومات شبه مؤكدة، كشفت أن العناصر الإرهابية تختبئ فى نفق طوله 500 متر ينتهى أسفل نقطة مراقبة قوات حفظ السلام «MFO» بقرية اللفيتات شمال سيناء، وأن الإرهابيين يسرعون للاختباء فى النفق عند سماع أصوات طائرات الجيش المصرى، لمعرفتهم بأن القوات المسلحة المصرية لن تقصف معسكرات القوات الدولية.
ما صار معروفاً وواضحاً، هو أن تنظيم «القاعدة» ثم «داعش» من التنظيمات الإرهابية التى اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية على صنعها واستخدامها لخدمة مصالحها، ولعل تلك التنظيمات لن تكون الأخيرة فى مخططات الولايات المتحدة، التى لا تزال تتفنن فى زرع مختلف أصناف الإرهاب فى أى بقعة أرادت من العالم.
تنظيم «داعش» أداة واشنطن تهدف لتقسيم وغزو الشرق الأوسط الغنى بالثروات الطبيعية والنفط من جهة، وللحد من دور إيران وقوتها المتنامية من جهة ثانية.
وليس خافياً على أحد تاريخ الولايات المتحدة الحافل بدعم التنظيمات الإرهابية، ويبقى السؤال: لماذا يتجاهل البعض ما يشاهده عبر أجهزة الإعلام بمختلف وسائلها؟ أم أن التجاهل أيضاً بات عرفاً درجت عليه واشنطن لإعادة كتابة التاريخ وفق ما تراه مناسباً لها؟!
إن فهم التاريخ يبدو أمراً مهماً لكل باحث فى شئون التنظيمات الإرهابية، وبالعودة إلى حقبة الحرب الباردة فى ذلك الوقت نجد أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سى. آى. إيه» انحازت إلى جانب الإسلام السياسى المتطرف، حيث قسمت العالم إلى قسمين يتمثل الأول بالاتحاد السوفيتى السابق والقوميين فى دول العالم الثالث، وعلى الجانب الآخر الدول الغربية والإسلام السياسى المتطرف، وهو ما عدته أمريكا حليفاً للدول الغربية فى صراعها ضد الاتحاد السوفيتى آنذاك.
مدير وكالة الأمن القومى الأمريكية فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان، الجنرال وليام أودوم، لاحظ أن الولايات المتحدة كانت قد استخدمت مصطلح الإرهاب منذ فترة طويلة وتحديداً فى 1978-1979 حيث كان مجلس الشيوخ يحاول تمرير قانون لمكافحة الإرهاب الدولى فى كل تقرير كان يصدره، ما يؤكد اتهامات المحامين للولايات المتحدة بانتهاكها حقوق الإنسان والقانون الدولى على حد سواء.
وخلال عام 1970 لم يكن استخدام الـ «سى. آى. إيه» لعبارة «جماعة الإخوان المسلمين» فى مصر عبثاً، بل كان بمنزلة الستار الذى تخفى وراءه واشنطن نياتها الاستعمارية وذلك لإحباط التوسع السوفيتى آنذاك ولمنع انتشار الفكر الماركسى بين الشعوب العربية فى ذلك الوقت، كما عملت واشنطن على دعم بعض الجماعات الإسلامية ضد أخرى كما حدث فى أندونيسيا وكذلك فى باكستان عندما دعمت بعض التنظيمات الإرهابية ضد ذو الفقار على بوتو فى باكستان، وأخيراً وليس آخراً دعم تنظيم «القاعدة».
أمريكا وبعبع أسامة بن لادن
هنا، لا بد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هى من ساهمت فى تحضير أسامة بن لادن خلال عام 1980 حيث ترعرع فى أحضانها وتغذى على أفكارها وهذا ما أكده وزير الخارجية البريطانى السابق روبن كوك فى مجلس العموم حين قال: «إن تنظيم القاعدة كان بلا شك نتاج وكالات المخابرات الغربية» موضحاً أن تسمية «القاعدة» والتى تعنى حرفياً اختصاراً لـ «قاعدة بيانات» باللغة العربية تعود فى الأصل إلى قاعدة بيانات الكمبيوتر والتى تضم حصراً الآلاف من المتطرفين الذين تدربوا من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتمويل من قبل السعودية بهدف محاربة الوجود السوفيتى فى أفغانستان.
وغالباً ما كانت علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بـ«القاعدة» أشبه بعلاقة الحب مع الكراهية، فهما وجهان لعملة واحدة، والعلاقة بينهما تعتمد على الحد الذى يمكن فيه لتنظيم «القاعدة» أن يخدم المصالح الأمريكية فى منطقة ما ويعزز الوجود الأمريكى فيها. ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تمول تلك التنظيمات الإرهابية وفى الوقت ذاته تعمل وبقوة على استهدافها وفقاً للمتغيرات.
ورغم ما يدعيه صناع السياسة الخارجية الأمريكية من معارضتهم للتنظيمات الإرهابية فإنهم يعلمون فى قرارة أنفسهم أن تلك التنظيمات المتطرفة تنتشر حسب ما تريد واشنطن لها، أحد أهم أسلحة سياستهم الخارجية الحديثة التى ستعطى بالتأكيد نتائج عكسية مثل الكثير من التنظيمات الإرهابية خاصة مع ارتفاع معدلات الأعمال الإجرامية التى يرتكبها أفراد تلك التنظيمات وما يرتكبونه من قطع الرؤوس وتأثير ذلك فى الساحة الدولية وأمام الرأى العام العالمى.
ولفهم الآلية التى تعمل بها التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» مثلاً ولماذا نما وانتشر بسرعة، لابدّ من إلقاء نظرة فاحصة على جذور تلك المنظمات التى تدعمها واشنطن، ولعل الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 مهد الطريق لوجود التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» بسبب الآثار العدوانية التى ترتبت على ذلك الغزو من تدمير أجهزة الدولة وغير ذلك.
كما عملت الولايات المتحدة الأمريكية فى العراق على إثارة الفوضى وتقليص النفوذ السياسى لبعض الأحزاب على حساب آخرين بدلاً من تعزيز التكامل الدينى والوحدة، ما يؤكد أن السياسة الأمريكية فى العراق فاقمت الانقسامات الطائفية وخلقت أرضية خصبة لإلقاء فتات الخبز على بعض الفئات الساخطة على الحكم هناك لتزيد من سخطها.
إن السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط تدور حول النفط و«إسرائيل»، وما غزو العراق إلا محاولة لإشباع تعطش واشنطن لنفطه، ولعل الغارات الجوية المستمرة على مواقع التنظيمات الإرهابية كما تدعى واشنطن، وفرض عقوبات اقتصادية على إيران لم تأت إلا خدمة لمصالح واشنطن وربيبتها «إسرائيل» عبر دعم التنظيمات الإرهابية ومن بينها «داعش» الذى ليس مجرد أداة للإرهاب تستخدمه أمريكا لـ «إسقاط» الدولة السورية فحسب، بل وأداة مهمة للضغط على إيران ولإضعاف محور المقاومة من أجل حماية «إسرائيل».
إن غزو أمريكا للعراق حقق لها أرباحاً تفوق التصور إذ فازت أكثر من 70 شركة أمريكية والمئات من رجال الأعمال بعقود عمل تزيد على 27 مليار دولار وذلك وفقاً لدراسة حديثة أجراها مركز النزاهة العامة فى الولايات المتحدة، وأن ما يقرب من 75% من هذه الشركات الخاصة والمهمة يرتبط موظفوها وأعضاء مجلس إدارتها بعلاقات وثيقة مع السلطة التنفيذية فى الإدارات الجمهورية والديمقراطية وأعضاء الكونجرس، أو لهم علاقة وثيقة مع أجهزة الأمن هناك.
وقد أكد تقرير نشره موقع وزارة الدفاع الأمريكية وجود علاقة قوية تؤكد تورط الولايات المتحدة فى الحروب الخارجية، وأن الطريقة الوحيدة التى يمكن من خلالها كسب الحرب على الإرهاب تتمثل فى توقف واشنطن عن تمويل تلك المنظمات الإرهابية التى ستهاجمها حتماً يوماً ما.
قوات لحفظ السلام.. أم لطعن جنود مصر؟!
ونأتى لشريك الإرهابيين فى سيناء.. نأتى لقوات الـ‏MFO‏ فى سيناء، وربما لا يعرف كثيرون حقيقة قوات حفظ السلام الدولية العاملة فى شبه جزيرة سيناء ولا يدركون الدور الحقيقى الذى تؤديه فى هذه المنطقة‏.‏
هذه القوات يطلق عليها رسمياً اسم «قوة حفظ السلام والمراقبة الدولية»‏ وتعرف اختصاراً باسم ‏MFO‏ ليست تابعة للأمم المتحدة ولكنها قوة دولية متعددة الجنسيات تم تشكيلها لتحل محل قوات الأمم المتحدة التى تواجدت فى سيناء حتى تاريخ التوقيع على معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام‏ 1979‏ وتم تشكيل هذه القوات بناء على اتفاق بين مصر وإسرائيل والدولة الراعية للمعاهدة وهى الولايات المتحدة الأمريكية.
وبدأت هذه القوات مهمتها تحديداً فى ‏25‏ أبريل عام‏1982,‏ وهو نفس اليوم الذى سلمت فيه إسرائيل الأراضى المحتلة فى سيناء إلى السيادة المصرية‏.‏ ويوجد مقر القيادة لهذه القوات فى العاصمة الإيطالية روما ولها مكتبان أحدهما فى القاهرة والثانى فى تل أبيب ولها معسكران رئيسيان الأول فى الجورة شمالاً قرب العريش والثانى قرب شرم الشيخ وتضم هذه القوات جنوداً من ‏12‏ دولة هى‏:‏ أستراليا وكندا وكولومبيا وفيجى وفرنسا وهولندا والمجر وإيطاليا ونيوزيلاندا والنرويج وأوروجواى والولايات المتحدة‏.‏
وفعلياً، تم تشكيل هذه القوات بدعم أمريكى نشط بعد ما أعلنت الأمم المتحدة أنها لن ترسل قوات حفظ سلام إلى سيناء، وتدير القوة المتعددة الجنسيات شبكة تضم 35 برج مراقبة ونقطة تفتيش ومركز مراقبة على طول الشريط الممتد على طول شرقى سيناء. وإجمالاً، تقوم القوة الدولية وقوامها قرابة 2000 جندى بالإضافة إلى طاقم المراقبين المدنيين الأمريكيين البالغ عددهم 15 مراقباً بالتأكد من الامتثال من قبل مصر وإسرائيل للأحكام الأمنية الواردة فى اتفاقية السلام.
ووفقاً لاتفاقية السلام، فإن الولايات المتحدة يقع عليها العبء الأكبر فى تغطية تكاليف قوات حفظ السلام فى سيناء من خلال صندوق مالى مخصص لذلك بالإضافة إلى وجود صندوقين مخصصين لتكاليف «MFO « فى مصر وسيناء.
وكانت MFO قادرة على تلبية تكاليف بدء مهمة قوة حرس الحدود، نظراً إلى القوة المتعددة الجنسيات فى عام 2005، وذلك بفضل الدعم السخى المقدم من الولايات المتحدة والحكومة الهولندية فى 2006-2007. ويجرى استيعابها التكاليف المتصلة ببعثة جديدة فى حدود الميزانية مع عدم وجود القوة المتعددة الجنسيات وتغيير دائم فى مستويات الموظفين. هذا يعكس سياسة إدارة MFO منذ فترة طويلة للسيطرة على التكاليف وحيثما أمكن إيجاد طرق للتعويض عن التضخم.
وأدت الجهود التى بذلت مؤخراً لزيادة الدعم المقدم من المانحين إلى أن قامت السويد بدعم قوات حفظ السلام بمليون كرونة سويدية (كرونة سويدية = 0.152404 دولار أمريكى) قدمت كدعم مالى إلى القوة المتعددة الجنسيات فى السنة المالية 2012، كما تعهدت الدنمارك، بمزيد من الدعم فى السنة المالية الحالية (2012) من أجل تغطية تكاليف نفقات مراقبى MFO كما قدمت فنلندا دعماً مالياً بقيمة 100ألف يورو كتبرع لميزانية القوة المتعددة الجنسيات العاملة فى السنة المالية 2011؛ وتعهد زيادة مساهمة من الحكومة السويسرية فى دعم تغطية تكاليف قوات حفظ السلام.
توجد 12 دولة مشاركة فى القوات هي‏:‏ أستراليا وكندا وكولومبيا وفيجى وفرنسا وهولندا والمجر وإيطاليا ونيوزيلاندا والنرويج وأوروجواى.‏. كما تعهدت الولايات المتحدة بكتيبة مشاة قوامها 800 جندى فى القطاع الجنوبى لانتشار القوة المتعددة الجنسيات فى سيناء، بالإضافة إلى 235 موظف دعم، بمن فى ذلك الأطباء والمتخصصون فى الألغام الأرضية، الذين يساعدون سكان المنطقة على القيام بحماية مجتمعاتهم بواسطة التخلص من المواد المتفجرة المتبقية من النزاعات السابقة. وكتيبة أخرى من كولومبيا وكتيبة من دولة فيجى، كتيبة من 329 جندياً.. وتشارك إيطاليا بثلاث سفن من البحرية تقوم بدوريات فى المياه المحاذية لسواحل سيناء، وذلك لضمان حرية الملاحة فى مضيق تيران والوصول إلى خليج العقبة.
وقد أثيرت أكثر من مرة مسألة انسحاب القوات الأمريكية من القوات المتعددة فى سيناء وتم طرح هذا الطلب كثيراً عندما يقوم بزيارة القوة أى وزير دفاع أمريكى يكون فى زيارة لمنطقة الشرق الأوسط وهو فى طريق عودته من تل أبيب لزيارة القوات الأمريكية العاملة ضمن القوات المراقبة والتى يتم خلالها عرض لمهام القوة ودائماً ما يعقب هذه الزيارة حديث عن رغبة أمريكا فى خفض قواتها بسيناء لأن الاتفاقية التى تم توقيعها منذ قرابة الربع قرن أثبتت جدواها ولم يحدث أى انتهاك من الطرفين للاتفاقية.
وبسبب التكلفة، طالبت مصر سنة 1994 وأثناء لقاء قادة القوة المتعددة الجنسيات فى الاجتماع السنوى الذى ينعقد فى «روما» كل عام بإنهاء عمل هذه القوة أو تقليل حجمها على أن تكون مركزة فقط على الحدود ما بين مصر وإسرائيل لتوفير النفقات التى تتكبدها مصر للصرف على القوة، إلا أن أمريكا وإسرائيل رفضتا هذا الطلب نهائياً وأعلنتا أنه لا يوجد سلام بغير وجود القوة متعددة الجنسيات وأن معاهدة «السلام» نصت على عدم خروج أو إنهاء عمل القوة إلا بموافقة كل الأطراف وليس بناء على طرف واحد.
وفى عام 2001 اختلف الوضع ومصر هى التى ترفض تخفيض حجم القوات لما يحدث من استفزاز إسرائيلى عن طريق حدوث توتر فى الأراضى الفلسطينية.. وبعد ذلك لفرض الحصار على غزة وأيضا لتعدد العمليات الإرهابية فى سيناء والتى تتم بالتعاون بين عناصر من غزة وأخرى من سيناء وبرعاية إسرائيليين، ولذلك فإن مصر تتمسك الآن وقبل أى وقت آخر بتواجد القوات المتعددة الجنسيات لمراقبة الموقف على الحدود وتقديم شهادة حيادية عن الحوادث المتكررة.
تنسيق مخابراتى بين تل أبيب والإرهاب
الجديد، أنه بعد العمليات الإرهابية الأخيرة فى شمال سيناء، علمنا أن الولايات المتحدة وجهت رسالة إلى القاهرة ألمحت فيها إلى رغبتها فى الاستغناء عن وجود القوات متعددة الجنسية فى شبه جزيرة سيناء فى ظل استقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية والتنسيق الأمنى والمخابراتى على الحدود بين الجانبين فى مواجهة خطر التنظيمات التكفيرية فى سيناء.
ولك أن تندهش حين تعرف أن القوات متعددة الجنسيات أبلغت السلطات المصرية بالقلق على أمن أفرادها فى ضوء تدهور الوضع الأمنى فى سيناء رغم تمركز هذه القوات بعيداً عن الاشتباكات.
حدث ذلك، بينما تؤكد المعلومات أن عناصر التنظيم الإرهابية فى سيناء تستخدم ملاجئ تقع قرب مطار الجورة الجوى، الذى تستخدم قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات جزءاً منه!
المخابئ كانت عبارة عن أنفاق تصل لحوالى 150 متراً، وتقع خارج المطار بمسافة بعيدة، أسفل مدرجين مهجورين لا تستخدمهما قوات حفظ السلام، وتقع خارج السياج الشائك المحيط بالمطار، وعثرت القوات فى المخابئ على أدوات معيشة وملابس عسكرية وذخائر، دمرتها تماماً.
وتستخدم قوات حفظ السلام مدرجاً محمياً بسياج شائك، تستخدمه طائرات الشحن الجوى التابعة للقوات متعددة الجنسيات فى الهبوط بين فترة وأخرى.
ومطار الجورة أنشأته إسرائيل خلال فترة احتلالها لسيناء، وكانت تجهزه ليكون أكبر قاعدة جوية لها فى سيناء، وانسحبت منه بالكامل عام 1982، وتسلمته قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات.
كما أن الخدمات التى تقدمها قوات حفظ السلام للإرهابيين لا تتوقف عند تموين السيارات، بل تتعداها إلى علاج المصابين بإصابات حرجة داخل مطار الجورة.
اللعب بورقة القوات متعددة الجنسيات بدأ منذ فترة، تحديداً منذ يونيو 2012 حين قدم ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية فى معهد واشنطن، تقريراً عنوانه «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون مهددون فى سيناء»، زعم فيه تهديد التدهور الأمنى فى شبه جزيرة سيناء لا يؤثر فقط على قوات حفظ السلام المتمركزة هناك بل يمتد أيضاً إلى معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية.. على الرغم من أن «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» لم يتعرضوا لمستوى اعتداء مماثل لما شهدته منظمات حفظ سلام ومراقبة أخرى كـ«قوات الأمم المتحدة المؤقتة فى لبنان» أو «اليونيفيل».
غرفة مركزية سرية لإدارة معارك الإرهاب فى سيناء
ونذهب إلى من يمسكون بالريموت.. أو من يحركون الإرهابيين ويصدرون لهم الأوامر. وضع فى اعتبارك أنه خلال أسبوع واحد وقعت أربع عمليات إرهابية فى أربعة بلدان وهى الكويت وتونس وفرنسا ونيجيريا، كما تم الإعلان عن إفشال مخطط لتفجير قنبلة خلال عرض عسكرى فى بريطانيا، وقُتل إرهابيان كانا يتجهان لتنفيذ عمل دموى فى الجزائر.
وضع فى اعتبارك أيضاً أن هذا التوسّع فى العمليات الإرهابية يتزامن مع الذكرى الأولى لتشكيل التحالف الدولى لمحاربة الإرهاب الذى يضم أربعين دولة، والذى أعلن فى البداية أنه سيشنّ حربًا طاحنة ضد تنظيم داعش الذى تمادى فى المذابح التى ينفذها فى العراق وسوريا، ولكن الأمر بدا معكوسًا لأن «داعش» هو الذى يشنّ حربه الدموية ضد العالم عندما يضرب خارج حدود ما يسمى «الدولة الإسلامية فى العراق والشام».
نعود لطرح السؤال:
هل هناك غرفة مركزية تدير حرب «داعش» التى توسّعت إلى تونس حيث ضرب مرتين فى متحف باردو قبل أسابيع ثم فى منتجع سوسة، وإلى ليبيا حيث قدم شريط الذبح المريع على الشاطئ، وإلى فرنسا حيث ضرب صحيفة شارلى إيبدو ثم قدّم فى ليون عملية الرأس المقطوع المصوَّر سيلفى أرسل إلى سوريا عبر كندا؟! خصوصا أن العمليات الإرهابية الأخيرة التى حدثت فى تونس والكويت وفرنسا، أطلقت سيلاً من الأسئلة حول ما فعله التحالف الدولى لمحاربة الإرهاب بعد عام تقريبًا على تشكيله، والسؤال لا يتصل بسقوط الرمادى فى العراق وتدمر فى سوريا فحسب، بل باتساع نطاق العمليات الإرهابية التى ينفذها مباشرة أو تُنسب إليه بشكل يجعل الوضع أشبه بقنبلة عنقودية داعشية لها خلاياها النائمة التى يمكن أن تتحرك فى أى مكان وفى أى لحظة!!
هل كان من الضرورى أن يضرب الإرهابيون فى كل هذه الأماكن دفعة واحدة وتقريبًا بعد عام على قيام التحالف الدولى، لكى يفهم العالم أنه لا يوجد تفسير ولا تبرير ولا منطق للعمليات الإجرامية المتصاعدة، إلا بأنها تأتى ضمن استراتيجية هدفها تحقيق مصالحها باستخدام أى أدوات تجدها متاحة.
إن نوعية الهجمات وحجمها فى مصر مثلا توحى بأن هناك جماعات وقوى متحالفة مع أجهزة مخابرات عالمية، تريد تغيير النظام الحالى.. وتظن أنها قادرة على إسقاط دولة السيسى بإحداث أكبر كم من الفوضى، وأن الاضطرابات ستدفع الناس إلى الشارع لتطالب بالتغيير!!
-----------