الموجز
الخميس 21 نوفمبر 2024 10:29 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
أهم الأخبار

ياسر بركات يكتب عن: عاصمة «السيسى» الجديدة.. وأسرار حرب المخابرات والمليونيـرات


أعضاء فى مجلس الأعمال المصرى- الأمريكى يعقدون لقاءات منزلية مع مسئولين بارزين بـ«C.I.A» لتمرير شركات إسـرائيلية
عندما كشف «مايكل موريل» نائب رئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه» فى الفترة التى سبقت وتلت 25 يناير 2011 عن وجود رجل أعمال مصرى كبير ضمن الشخصيات السياسية التى تواصلت مع جهاز المخابرات فى تلك الظروف الصعبة من تاريخ مصر، وعندما يؤكد أنه وافق على التواصل مع عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية السابق من خلال رجل الأعمال المصرى، فإن ذلك يكشف بكل وضوح مدى قوة رجال الأعمال ومدى نفوذهم، وقدرتهم على الوصول إلى أجهزة مخابرات عالمية بحجم الـ«سى آى إيه» لمحاولة التأثير أو الضغط على صانع القرار فى دول كبرى يحملون توكيلات شركات بها!
من هذا النفوذ الضخم لأصحاب المليارات نجحت بعض وسائل الإعلام المملوكة لعدد من رجال الأعمال فى تشكيك الرأى العام فى مشروع العاصمة الجديدة التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، والأوراق التى بين أيدينا والتى ننشر تفاصيلها اليوم تؤكد أن تلك الحرب الإعلامية ضد المشروع كانت ومازالت مقصودة ومخططاً لها بشكل غير مسبوق، فمن المعروف أن مشروعاً ضخماً كتأسيس عاصمة جديدة يستدعى دخول شركات كبرى تتبع مؤسسات ضخمة فى العشرات من دول العالم، فرؤوس الأموال العالمية يتحكم فيها أصحاب مصالح ومافيا عالمية ويتم استخدام الكثير ضمن أعمال أجهزة مخابراتية كما هو معروف ومعلوم للجميع.
وكان من الطبيعى أن تتنافس وتتصارع كبرى الشركات العالمية لدخول المشروع، ومن الطبيعى أن تسعى أجهزة مخابراتية عالمية إلى الدفع بشركات بعينها، لكن غير الطبيعى أن نجد رجال أعمال مصريين يشاركون فى هذا المخطط الخبيث طمعاً فى ابتزاز الحكومة أولاً وبحثاً عن مكان لشركاتهم ضمن المشروع!
الأوراق كثيرة واللعبة خسيسة وتفاصيلها كاملة فى السطور القادمة.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يجتمع بعدد من ممثلى المبادرات والمؤسسات العاملة فى العمل الخيرى، بحضور عدد من أعضاء المجلس التخصصى لتنمية المجتمع التابع لرئاسة الجمهورية، وصدر بيان قال فيه السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، إن الرئيس أشاد بالدور المهم الذى تقوم به منظمات المجتمع المدنى، والعمل الأهلى فى المساهمة إلى جانب مؤسسات الدولة والقطاع الخاص فى الارتقاء بمستوى معيشة المواطن المصرى، وبث روح الأمل، مشيراً إلى أن المرحلة الحالية تستدعى استنهاض الهمم والطاقات وإعلاء المصلحة العامة.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة أن الرئيس أكد عدم تحميل ميزانية الدولة تكلفة إنشاء مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذى سيتم تنفيذه باستثمارات يتم ضخها من الخارج، كما أكد تخصيص جزء من المشروع لإقامة وحدات سكنية لمحدودى الدخل.
ووصل البيان إلى كل الصحف، فكان أن تصدر الصفحة الأولى لجريدة «الأهرام» (الثلاثاء 7 أبريل 2015) هذا العنوان «السيسى: ميزانية الدولة لا تتحمل إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة»، تم تغييره فى الطبعة الثانية إلى: «السيسى: ميزانية الدولة لن تتحمل تكلفة إنشاء العاصمة الإدارية».
وأدت صياغة العنوان على هذا النحو، إلى تداول العنوان على مواقع التواصل الاجتماعى، بزعم أن هناك تراجعاً عن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة!
ومن وقتها، وهناك شبه إصرار على اختلاق أو افتعال ما يوحى بأن المشروع وهمى أو تواجهه عراقيل، أو خلافات بين الطرفين الإماراتى والمصرى، رغم أن المنطقى والطبيعى هو ألا تظهر الخلافات إلى وقت توقيع العقود أو بعد ترجمة مذكرة التفاهم أو بروتوكول التعاون إلى عقود، سيناقش الطرفان بكل تأكيد بنودها، وقد تحدث خلافات بشأن بعضها، وبعد تفاوض، سيتم التوقيع لتصبح العقود ملزمة للطرفين.
توقيع مذكرة التفاهم، كما هو معروف، تم ضمن فعاليات مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى فى مارس بمدينة شرم الشيخ بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات حاكم إمارة دبى.
ومعنى عدم ترجمة مذكرة التفاهم إلى عقود، هو عدم صحة ما تردد ونشرته للأسف وسائل إعلام مصرية وأخرى تابعة لتنظيم الإخوان تصدر فى الخارج، عن وجود خلافات بين الحكومة، والمستثمر الإماراتى محمد العبار رئيس الشركة المسئولة عن المشروع، والتى ذهب خيال بعضهم حد الزعم بأن «العبار» رفض امتلاك الدولة لأى حصة بالمشروع والاكتفاء بحصولها على أرباح فقط! رغم أن مُذكرة التفاهم نفسها تضم هذا الأمر وهو بين البنود التى تم التوقيع بالموافقة عليها. ولا يصح أن يتغير فيها شىء.
ملف العاصمة الجديدة كان، أيضاً، ضمن 3 ملفات تناولتها زيارة الشيخ محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وخلال الزيارة صدرت تكليفات من الرئاسة المصرية إلى الحكومة بالإسراع فى الخطوات التنفيذية للمشروع، طبقاً لمذكرة التفاهم التى وقعتها وزارة الإسكان مع الشركة الإماراتية.
وهناك تأكيدات بأن يتم الإعلان عن تفاصيل إجرائية خاصة بالمشروع، خلال أسبوع تقريباً، خاصة أن آخر يوم فى سريان مذكرة التفاهم بين الحكومة والشركة الإماراتية هو يوم الأحد 14 يونيو 2015، وهو ما يعنى أن توقيع العقود التنفيذية لمشروع العاصمة، سيتم خلال الشهر الجارى، وربما كان تأجيله هو الرغبة فى أن يتزامن مع احتفالاتنا بذكرى ثورة 30 يونيو.
هناك أيضاً معلومات مؤكدة بأن المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، أصدر قراراً بتشكيل لجنة لمتابعة المستجدات فى المشروع، برئاسته وعضوية محافظ البنك المركزى، ووزراء التجارة والصناعة، والتخطيط، والإسكان، والعدل، والتعاون الدولى والاستثمار، ورئيس هيئة التخطيط العمرانى، وممثلين عن وزارتى الدفاع والداخلية، وممثل عن المخابرات العامة. وهى اللجنة التى تختص بمتابعة كل ما يستجد من أعمال فى شأن المشروع ووضع خطة شاملة لإزالة أى معوقات تحول دون تنفيذه.
وعكس كل ما تردد، فهناك جلسات عمل يومية ومستمرة تجريها وزارة الإسكان مع الشركة الإماراتية حول مذكرة التفاهم للتوصل لصيغة نهائية للعقد، بما ينفى تماماً وجود أى تباطؤ فى المشروع، وأن كل ما يحدث هو العمل على التوصل لأفضل الامتيازات، بما يضمن حق الشعب، وعدم التورط فى مشكلات قانونية أو ثغرات يمكن أن يستغلها طرف آخر.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن تفاصيل المشروع كثيرة جداً وتحتاج لدراسات فنية وتشريعية وتنظيمية، وهو ما يجعل تأخر تحويل مذكرة التفاهم إلى عقد شراكة، أمراً طبيعياً وعادياً جداً.
عودة إلى منتصف مارس الماضى، تحديدا إلى يوم السبت 14 مارس، وهو اليوم الذى قامت فيه الحكومة المصرية، ممثلة فى وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، بتوقيع مذكرة تفاهم مع شركة «كابيتال سيتى بارتنرز» العقارية الإماراتية، لتدشين العاصمة الإدارية، فى حفل حضره الرئيس عبدالفتاح السيسى، ورئيس الوزراء الإماراتى، نائب رئيس الدولة، حاكم دبى، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ووقع نيابة عن مصر، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، الدكتور مصطفى مدبولى، وعن شركة «كابيتال سيتى بارتنرز» محمد راشد العبار.
نعود إلى هذا التاريخ لنؤكد أن الحكومة المصرية كانت قد أجرت مفاوضات سرية مع الشركة، وتكتمت على الأمر ليكون مفاجأة المؤتمر مع 6 مشروعات أخرى، انتهت من الاتفاق عليها، وأعدت مذكرات التفاهم مع الشركات التى ستنفذها، وكانت مذكرة التفاهم بين الحكومة ورئيس مجلس إدارة الشركة الإماراتية محمد العبار، تتضمن قيام الشركة بالتنفيذ الكامل للمشروع، بتكلفة استثمارية مبدئية بلغت 150 مليار جنيه، وهو المشروع الضخم الذى من المتوقع أن يُحدث رواجاً كبيراً فى سوق العمل بالمقاولات، كما سيتيح فرص عمل ضخمة لعمال البناء والتشييد. كما أن الأموال التى سيتم ضخها كافية لتحفيز الاقتصاد المصرى الذى يعانى منذ أربع سنوات، وأضف إلى ذلك أن بناء العاصمة الإدارية الجديدة سيربط القاهرة بقناة السويس، وسيستوعب 7 ملايين نسمة، على مساحة تقدر بـ700 ألف كيلو متر مربع، لتصبح قريبة من مساحة سنغافورة، لتنتقل إليها المبانى الإدارية الحكومية بالقاهرة، فى محاولة لتقليل زحام المدينة.
ولعلنا لا نكشف سراً لو قلنا إن شركة «فيليبس» الهولندية العملاقة، تتفاوض مع شركة «كابيتال سيتى بارتنرز» للمشاركة فى المشروع.. وضع تحت تلك المعلومة عشرات الخطوط لأنها قد تفسر كثيراً من اللغط الحادث والذى لا نبالغ لو وصفناه بأنه جزء من حرب نفسية يقوم بها أطراف بعينهم لأسباب لا تخفى على أحد.
من فصول تلك الحرب مثلاً، هو استغلال بعض الأطراف، كون محمد العبار رئيس مجلس إدارة شركة إعمار، واللعب بكارت إعلان الشركة أنها ليست طرفاً فى المشروع، للتشكيك فى المشروع أو فى جديته.. رغم أن العبار سبق وأعلن بشكل واضح لا لبس فيه أنه أسس الشركة المسئولة عن المشروع مع مستثمرين آخرين وقال إن له شركاء «من المنطقة العربية... ونحن أصحاب رأس المال.»
كما سبق أن قال العبار بوضوح أيضا إنه فى ضوء ضخامة المشروع واحتياجه إلى تفرغ وتركيز كبيرين تم استحداث شركة «كابيتال بارتنرز» لتكون مسئولة عن تنفيذه «خاصة أن هناك مستثمرين عرباً ومستثمرين من خارج المنطقة يرغبون فى المشاركة».
هنا، وحتى تكتمل الصورة لديك، تكون الإشارة واجبة إلى أن مذكرة التفاهم عبارة عن وثيقة رسمية تتضمن اتفاقاً بين طرفين أو عدة أطراف، وتعد إيذاناً ببدء العمل بين أطراف الاتفاق أكثر منها التزاماً قانونياً. ولذلك يعتبر البعض مذكرة التفاهم اتفاق «شرف» يفتقد لإلزام العقود القانونية الرسمية. والهدف منها هو تعزيز التعاون الثنائى ومتعدد الأطراف بين الدول فى مختلف المجالات وفى سبيل مصلحتها. ومذكرات التفاهم تختلف عن الاتفاقيات من حيث البنود والإجراءات القانونية والموضوعية، وتختلف البنود القانونية لكل مذكرة أو اتفاقية عن الأخرى من حيث الموضوع ومدة النفاذ ومدة الصلاحية وإنهائها بتاريخ معين وبموجب إخطار مسبق.
وما ينطبق على البروتوكول ينطبق على الاتفاقية أو على مذكرة التفاهم والبروتوكولات وقد تكون هناك بروتوكولات تابعة لاتفاقيات معينة تختص بتعديل أو إضافة أو حذف بند من هذه الاتفاقية أو زيادة مدتها.
لا نعرف إذن من أين جاء البعض بهذا الكلام الكثير عن وجود خلافات وصفوها بـ«الحادة» وزعموا أنها تفجّرت بين الحكومة المصرية والمستثمر الإماراتى على المخطط الرئيسى لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة.. بل وزعموا أيضاً أن محمد العبار طلب تعديل الاتفاق، بحيث لا تمتلك الحكومة المصرية أى نسبة من المشروع، وأن تحصل على نسبة من الأرباح 24% فقط!
هل قلنا إن الصيغة التى تعاملت بها بعض وسائل الإعلام المملوكة لرجال أعمال مع مشروع العاصمة الجديدة، تأتى ضمن فصول حرب نفسية يشنها هؤلاء المعروفون بالاسم تقريباً ولا يزيد عددهم على خمسة رجال أعمال يمارسون الابتزاز والضغط عبر فضائياتهم وعبر صحف أصدقائهم من حيتان البيزنس.
أعتقد أننا قلنا ذلك، ونضيف إليه أن بعضهم يتعامل مع الدولة المصرية بقاعدة «فيها يا أخفيها» أو بصيغة «لوى الدراع»!
وقبل أن ندخل أو نشير إلى تفاصيل، نوضح أولاً أن هناك تحركات سرية ومريبة منذ فترة طويلة لعدAد من رجال الأعمال المرتبطين بشركات أمريكية، يخططون لاستعادة نفوذهم فى صنع القرار الاقتصادى المصرى وخلق مناخ سياسى تابع للولايات المتحدة أو للشركات التى تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها وترتبط بمصالح مع رجال الأعمال الذين سبق وأشرنا إليهم!
التحركات تتم منذ فترة طويلة، غير أن الجديد هو أن الزيارات زادت فى الفترة الأخيرة وتضمنت لقاءات مع مسئولين أمريكيين فى منازلهم، وخلال تلك اللقاءات تم الاتفاق على أن يقوم مجلس الأعمال المصرى الأمريكى بدور الوسيط، وأن توكل القرارات داخل مصر إلى عدد محدد من رجال الأعمال بينهم طاهر حلمى وجلال الزوربا ورجلا الأعمال الهاربان رشيد محمد رشيد وحسين سالم! وهو ما يعنى أن هؤلاء أصبح معهم ما يشبه التفويض فى التحكم بما يزيد على١٢٠٠ شركة أمريكية تسعى للسيطرة على الاقتصاد المصرى أو على كل شىء فى مصر! من المعروف أن معظم تلك الشركات مملوكة لرجال أعمال يهود من مؤيدى الوحشية الصهيونية وأصحاب التأثير الأضخم على البيت الأبيض.
والأمر كذلك، يكون ضرورياً أن نقلب معاً صفحات كتاب «مايكل موريل» الذى صدر قبل أيام قليلة عنوانه « الحرب الكبرى فى زماننا: حرب المخابرات المركزية ضد الإرهاب من القاعدة إلى داعش».
ولأنك قد لا تتذكر اسم «موريل»، نوضح أنه كان نائبا لرئيس المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه» فى الفترة التى سبقت وتلت 25 يناير 2011.
فى الكتاب يذكر موريل بوضوح أن رجل أعمال مصرياً قام بتوسيط آخر أمريكى أثناء ثورة 25 يناير وأكد له أن صديقاً لعمر سليمان رئيس المخابرات المصرية وقتها، ويريد أن يقوم بتوصيل رسالة منه إلى الإدارة الأمريكية عبر «موريل»!
ويضيف نائب رئيس الـ«سى آى إيه» السابق: «كانت مصداقية الوسيط فوق مستوى الشبهات، وكان يتحدث مباشرة مع عمر سليمان»!
ومع سرعة خروج الموقف فى مصر عن السيطرة يضيف موريل استمرت الولايات المتحدة فى الضغط على «مبارك» للتوصل إلى حل وسط للأزمة، إلا أن الرئيس المصرى كان يثبت أنه يزداد عناداً فى كل يوم عن الذى سبقه. وبعد أربعة أيام من اندلاع المظاهرات ضده، فاجأ «مبارك» العالم بتعيين عمر سليمان نائباً له، وهو المنصب الذى ظل شاغراً لأكثر من ثلاثين عاماً. وكان «سليمان» هو أقرب المستشارين لمبارك خارج دائرة عائلته. وهو التحرك الذى استقبله المتظاهرون بكثير من الفتور، لأنهم رأوا فيه محاولة أخرى من «مبارك» للتشبث بالسلطة من خلال ترقية أكثر حلفائه قوة ونفوذاً.
ثم يشير «موريل» إلى أن عدة نقاشات مع رجل الأعمال جعلته يتوصل إلى أمرين.. الأول، هو أنه كان يتحدث بشكل مباشر مع عمر سليمان، وأنه كان يريد مصلحة مصر والولايات المتحدة معاً.
ويضيف: تلقيت موافقة مدير المخابرات المركزية وقتها «ليون بانيتا» وبقية زملائى، على التواصل مع عمر سليمان من خلال رجل الأعمال. وجرت عدة مناقشات على امتداد عدة أيام بعدها. وكانت الرسالة الأساسية التى أراد «سليمان» توصيلها للبيت الأبيض هى أنه يشعر بقلق عميق على استقرار بلاده، وأنه أراد المساعدة فى حل الأزمة، وسأل عما ينبغى للقاهرة عمله من وجهة نظر الحكومة الأمريكية، مع الحفاظ على تحقيق ذلك الهدف وأخذه فى الاعتبار.
ورغم أن ذلك لم يتم ذكره صراحة يضيف موريل: كان افتراضنا أن «عمر سليمان»، الذى كان قادراً على رفع سماعة التليفون والاتصال بى مباشرة أو بمدير المخابرات المركزية، كان يسعى لنوع من الحيطة أو الحذر، أو لتجنب ما قد يترتب من نتائج لو أن أحداً عرف أو شاهده يتحدث إلىّ، وما إذا كانت دائرة الحكم الداخلية ستنظر إليه على أنه يعمل ضد «مبارك»، خاصة أن «سليمان» لم يكن راغباً فى أن يقف صراحة ضد رئيسه.
فى كتاب نائب رئيس الـ«سى آى إيه» السابق نقرأ أيضاً: كانت السرية أمراً مطلوباً، لأنه حتى مدير المخابرات العامة يمكن أن يكون عرضة للتجسس. وكان من الواضح أيضاً أنه يسعى لطريقة يتجاوز بها تداعيات ما يحدث، وربما يخرج منه حتى فى منصب أعلى، كالرئيس الجديد لمصر مثلاً، ولم يغب عن بالى أبداً أن عمر سليمان كان يفعل ذلك من أجل نفسه.
ويضيف موريل: نقلت رسالة عمر سليمان للإدارة الأمريكية، وقررت أن أرسل رداً لمدير المخابرات المصرية، أوضح فيه بالتفصيل توصيات الحكومة الأمريكية للتعامل مع الموقف. فى ذلك الوقت، كان مبارك يستعد لإلقاء خطبة طال انتظارها باعتبارها لحظة فارقة فى الأزمة. جلست مع «دينيس ماكدونوه» نائب مستشار الأمن القومى، فى مكتبه بالبيت الأبيض، على بعد خطوات من المكتب البيضاوى، ووضعنا مسودة لبضع نقاط تود الولايات المتحدة أن ترى مبارك يقولها. وكنا نرى أن هذه النقاط يمكن أن تسهم فى نزع فتيل الأزمة. طبع «ماكدونوه» هذه النقاط بأسرع من قدرتى على التفكير، وكانت الرسالة الأساسية المطلوبة هى: «لقد استمعت لمطالب الشعب، وسوف أتنحى فوراً عن الرئاسة. سوف أسلم السلطة لمجلس انتقالى له ممثلون من كل طوائف المجتمع المصرى، وسوف يدير المجلس شئون البلاد ويضع آليات إجراء انتخابات تحدد المسار الذى ستتخذه قيادة مصر فى الفترة المقبلة. وسوف يحدث ذلك كله بصيغة آمنة ومنظمة.
من قلب غرفة متابعة الموقف يقول موريل قمت بالاتصال برجل الأعمال الوسيط، وأبلغته أن لدىّ رسالة لـ« عمر سليمان» وأنها من أعلى المستويات فى الإدارة الأمريكية. وبدأت أتلو النقاط المطلوبة بدقة، وكان من الواضح أن الطرف الآخر يدونها حرفياً لأنه طلب منى أن أبطئ قليلاً مرة أو مرتين وأن أعيد عبارة أو اثنتين. وقال لى إنه سوف يمرر الرسالة إلى «عمر سليمان» فوراً. وبعدها، اتصل بى الوسيط ليخبرنى أن «عمر سليمان» تلقى الرسالة ونجح فى إقناع مبارك بأن يضع هذه النقاط فى خطابه!
انتهى ما نقلناه من كتاب نائب رئيس المخابرات المركزية الأمريكية، ولا يهمنا أن مبارك لم يقل مثل هذا الكلام فى خطابه ولا يهمنا أنه تحدث فى الخطاب المشار إليه عن المتظاهرين السلميين والشباب النبيل والمواطنين الذين يستغلهم من يسعون وراء المواجهة والعنف. وأنه اكتفى بقوله إنه لم يكن ينتوى الترشح لفترة رئاسية جديدة.
لا يهمنا ذلك كله، بقدر ما يهمنا مدى القوة التى كان يتمتع بها رجل الأعمال المصرى وصديقه أو وسيطه الأمريكى! وهى القوة التى أهلته للعب مع نظامى حكم بهذه الطريقة، والتى أيضا يمكن استنتاج أنه كان يستند إلى تلك العلاقات فى تمرير صفقاته وفى الضغط على الحكومة المصرية من أعلى دائرة فيها ليحصل على ما يريد، سواء كان ما يريده أراضى أو تراخيص أو امتيازات أو تفصيل قوانين على مقاسه!
الواقعة التى عرضناها من كتاب نائب رئيس المخابرات المركزية الأمريكية السابق تكفى وزيادة لتوضيح قوة رجال الأعمال ومدى نفوذهم، ونفاذهم لأجهزة مخابرات عالمية بحجم الـ«سى آى إيه» والتى يلجأون إليها طبعاً لحسم ملفات بعينها! أو لمحاولة التأثير أو الضغط على صانع القرار فى دول كبرى يحملون توكيلات شركات بها!
كان أحد أبرز وأهم أزمات عهدى السادات ومبارك، هو انسحاب الدولة من دورها الاقتصادى، وترك الاقتصاد الوطنى فى قبضة رجال الأعمال يعتمدون عليهم فى الإنتاج، وحل أزمات البطالة وغيره. وهى الأزمة التى أراد السيسى أن يتجاوزها أو يتخلص منها فأصبحت علاقته برجال الأعمال أشبه بحرب خفية؛ فرأيناهم يرفضون المشاركة فى مشروعات التنمية، ويرفضون المساس بالامتيازات التى كانوا يحصلون عليها، كما رأيناهم يرفضون التبرع لصندوق «تحيا مصر».. ولمسنا سخطهم من اعتماد السيسى على المؤسسة العسكرية فى العديد من المشروعات. بل وخوضهم حروباً قذرة ضد المشروعات القومية الكبرى إما محاولة لإفسادها لصالح أطراف تستخدمهم، أو لابتزاز النظام ليحصلوا على نصيبهم منها!
وعلينا أن نعترف رغم ما سبق، أن رجال أعمال بعينهم تمكنوا من لى ذراع الدولة فى كثير من الأحيان ومنها تهربهم من دفع الضرائب لتصل متأخرات الضرائب عليهم لـ80 مليار دولار، واستمرار دعم الطاقة لبعضهم، هذا غير عدم التزامهم بقرارات الدولة فيما يخص أجوراً عادلة للعمال.. وكل ذلك يمكن إرجاعه إلى ضعف الحكومة أمامهم، خاصة أن الوزراء المعنيين ليسوا مختصين بالدرجة الكافية.
غير أن ما يطمئن هو أن الرئيس عبدالفتاح السيسى لديه رؤية اقتصادية تقوم على إعادة دور الدولة الاقتصادى وهو ما ظهر بوضوح من خلال بناء ترسانة الإسكندرية، والمشروع القومى للطرق، وقناة السويس الجديدة واستصلاح المليون فدان.. ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذى نتمنى أن يكتمل على خير ويصمد أمام جشع رجال الأعمال، وألا تقع الدولة فريسة لضغوطهم!